فصل: كتاب الأيمان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


كتاب الأيمان

‏(‏قوله مناسبته إلخ‏)‏ قال في الفتح‏:‏ اشترك كل من اليمين والعتاق والطلاق والنكاح في أن الهزل والإكراه لا يؤثر فيه إلا أنه قدم النكاح لأنه أقرب إلى العبادات كما تقدم، والطلاق رفعه بعد تحقيقه فإيلاؤه إياه أوجه واختص العتاق عن اليمين بزيادة مناسبته بالطلاق من جهة مشاركته إياه في تمام معناه الذي هو الإسقاط، وفي لازمه الشرعي الذي هو السراية فقدمه على اليمين ‏(‏قوله في الإسقاط‏)‏ فإن الطلاق إسقاط قيد النكاح والعتاق إسقاط قيد الرق ط ‏(‏قوله والسراية‏)‏ فإذا طلق نصفها سرى إلى الكل، وكذا العتق‏:‏ أي عندهما، لقولهما بعدم تجزيه أما عنده فهو متجز ط ‏(‏قوله لغة القوة‏)‏ قال في النهر‏:‏ واليمين لغة لفظ مشترك بين الجارحة والقوة والقسم، إلا أن قولهم كما في المغرب وغيره‏:‏ سمي الحلف يمينا لأن الحالف يتقوى بالقسم، أو أنهم كانوا يتماسكون بأيمانهم عند القسم‏.‏ يفيد كما في الفتح أن لفظ اليمين منقول‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ هو منقول من أصل اللغة إلى عرفها، فلا ينافي كونه في اللغة مشتركا بين الثلاثة، وإنما اقتصر الشارح على القوة لظهور المناسبة بينه وبين المعنى الاصطلاحي المذكور في المتن ح‏.‏ قلت‏:‏ أو لأنها الأصل، فقد قال في الفتح في باب التعليق‏:‏ إن اليمين في الأصل القوة؛ وسميت إحدى اليدين باليمين لزيادة قوتها على الأخرى، وسمي الحلف بالله تعالى يمينا لإفادته القوة على المحلوف عليه من الفعل والترك، ولا شك أن تعليق المكروه للنفس على أمر يفيد قوة الامتناع عن ذلك الأمر، وتعليق المحبوب لها على ذلك يفيد الحمل عليه فكان يمينا‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد أفاد أن أصل المادة بمعنى القوة ثم استعملت في اللغة لمعان أخر لوجود المعنى الأصلي فيها كلفظ الكافر من الكفر وهو الستر‏.‏ فيطلق على الكافر بالله تعالى وكافر النعمة؛ وعلى الليل‏.‏ وعلى الفلاح‏.‏ وهكذا في كثير من الألفاظ اللغوية التي تطلق على أشياء ترجع إلى أصل واحد عام فيصح أن يطلق عليها لفظ الاشتراك نظرا إلى اتحاد المادة مع اختلاف المعاني، وأن يطلق عليها لفظ المنقول نظرا إلى المعنى الأصلي الذي ترجع إليه، والقول بأن المنقول يهجر فيه المعنى الأصلي وهذا ليس منه غير مقبول، فإن اليمين إذا أطلق على الحلف لا يراد به القوة لغة، ولهذا قال في الفتح هنا بعد ذكره أنه منقول، ومفهومه لغة جملة أولى إنشائية صريحة الجزأين يؤكد بها جملة بعدها خبرية فاحترز بأولى عن التوكيد اللفظي بالجملة نحو‏:‏ زيد قائم زيد قائم، فإن المؤكد فيه هو الثانية لا الأولى عكس اليمين، وبإنشائية عن التعليق فإنه ليس يمينا حقيقة لغة إلخ وقوله يؤكد بها إلخ إشارة إلى وجود المعنى الأصلي وهو القوة لا على أنه هو المراد، وكذا إذا أطلق على الجارحة لا يراد به نفس القوة بل اليد المقابلة لليسار وهي ذات والقوة عرض، فقد هجر فيه المعنى الأصلي وإن لوحظ اعتباره في المنقول إليه، وبهذا ظهر أن المناسب بيان معنى اليمين اللغوي المراد به الحلف ليقابل به المعنى الشرعي، وأما تفسيره بالمعنى الأصلي فغير مرضي فافهم ‏(‏قوله على الفعل أو الترك‏)‏ متعلق بالعزم أو ب ‏(‏قوي‏)‏ ط ‏(‏قوله فإنه يمين شرعا‏)‏ لأنه يقوى به عزم الحالف على الفعل في مثل إن لم أدخل الدار فزوجته طالق، وعلى الترك في مثل إن دخلت الدار‏.‏ قال في البحر‏:‏ وظاهر ما في البدائع أن التعليق يمين في اللغة أيضا، قال لأن محمدا أطلق عليه يمينا وقوله حجة في اللغة‏.‏

مطلب حلف لا يحلف حنث بالتعليق إلا في مسائل

‏(‏قوله مذكورة في الأشباه‏)‏ عبارته‏:‏ حلف لا يحلف حنث بالتعليق إلا في مسائل‏:‏ أن يعلق بأفعال القلوب أو يعلق بمجيء الشهر في ذوات الأشهر أو بالتطليق، أو يقول إن أديت إلى كذا فأنت حر، وإن عجزت فأنت رقيق، أو إن حضت حيضة أو عشرين حيضة أو بطلوع الشمس كما في الجامع‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وإنما لم يحنث في هذه الخمسة لأنها لم تتمحض للتعليق‏.‏ أما الأولى كأنت طالق إن أردت أو أحببت فلأن هذا يستعمل في التمليك، ولذا يقتصر على المجلس‏.‏ وأما الثانية كأنت طالق إذا جاء رأس الشهر أو إذا أهل الهلال والمرأة من ذوات الأشهر دون الحيض فلأنه مستعمل في بيان وقت السنة لأن رأس الشهر في حقها وقت وقوع الطلاق السني لا في التعليق‏.‏ وأما الثالثة كأنت طالق إن طلقتك فلأنه يحتمل الحكاية عن الواقع وهو كونه مالكا لتطليقها فلم يتمحض للتعليق‏.‏ وأما الرابعة كقوله إن أديت إلي ألفا فأنت حر؛ وإن عجزت فأنت رقيق فلأنه تفسير للكتابة‏.‏ وأما الخامسة كأنت طالق إن حضت حيضة أو عشرين حيضة فلأن الحيضة الكاملة لا وجود لها إلا بوجود جزء من الطهر فيقع في الطهر فأمكن جعله تفسيرا لطلاق السنة فلم يتمحض للتعليق، وحيث لم يتمحض للتعليق في هذه الخمس لا يحمل على التعليق حيث أمكن غيره صونا لكلام العاقل عن المحظور وهو الحلف بالطلاق وإنما حنث في إن حضت فأنت طالق لأنه لا يمكن جعله تفسيرا للبدعي لأن البدعي أنواع، بخلاف السني فإنه نوع واحد، وحنث أيضا في أنت طالق إن طلعت الشمس مع أن معنى اليمين وهو الحمل أو المنع مفقود ومع أن طلوع الشمس متحقق الوجود لا خطر فيه‏.‏ لأنا نقول‏:‏ الحمل والمنع ثمرة اليمين وحكمته، فقد تم الركن في اليمين دون الثمرة، والحكمة والحكم الشرعي في العقود الشرعية يتعلق بالصورة لا بالثمرة والحكمة، ولذا لو حلف لا يبيع فباع فاسدا حنث لوجود ركن البيع وإن كان المطلوب منه وهو الملك غير ثابت ا هـ‏.‏ ملخصا من شرح تلخيص الجامع لابن بلبان الفارسي‏.‏ وبه ظهر أن قول الأشباه أو بطلوع الشمس سبق قلم والصواب إسقاطه، أو أن يقول لا بطلوع الشمس فافهم ‏(‏قوله فلو حلف لا يحلف إلخ‏)‏ تفريع على كون التعليق يمينا، وقوله حنث بطلاق وعتاق‏:‏ أي بتعليقهما ولكن فيما عدا المسائل المستثناة، فكان الأولى تأخير الاستثناء إلى هنا كما مر في عبارة الأشباه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

يتفرع على القاعدة المذكورة ما في كافي الحاكم‏:‏ لو قال لامرأته إن حلفت بطلاقك فعبدي حر وقال لعبده إن حلفت بعتقك فامرأتي طالق فإن عبده يعتق لأنه قد حلف بطلاق امرأته، ولو قال لها إن حلفت بطلاقك فأنت طالق وكرره ثلاثا طلقت ثنتين باليمين الأولى والثانية لو دخل بها وإلا فواحدة ‏(‏قوله وشرطها الإسلام والتكليف‏)‏ قال في النهر‏:‏ وشرطها كون الحالف مكلفا مسلما، وفسر في الحواشي السعدية التكليف بالإسلام والعقل والبلوغ، وعزاه إلى البدائع وما قلناه أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ وجه الأولوية أن الكافر على الصحيح مكلف بالفروع والأصول كما حقق في الأصول فلا يخرج بالتكليف‏.‏ واعلم أن اشتراط الإسلام إنما يناسب اليمين بالله تعالى واليمين بالقرب نحو إن فعلت كذا فعلي صلاة، وأما اليمين بغير القرب نحو إن فعلت كذا فأنت طالق فلا يشترط له الإسلام كما لا يخفى ح‏.‏

مطلب في يمين الكافر

والحاصل أنه شرط لليمين الموجبة لعبادة من كفارة أو نحو صلاة وصوم في يمين التعليق، وسيذكر المصنف أنه لا كفارة بيمين كافر وإن حنث مسلما وأن الكفر يبطلها، فلو حلف مسلما ثم ارتد ثم أسلم ثم حنث فلا كفارة ا هـ‏.‏ وحينئذ فالإسلام شرط انعقادها وشرط بقائها‏.‏ وأما تحليف القاضي له فهو يمين صورة رجاء نكوله كما يأتي، ومقتضى هذا أنه لا إثم عليه في الحنث بعد إسلامه ولا في ترك الكفارة، وكذا في حال كفره بالأولى على القول بتكليفه بالفروع‏.‏ فما قيل من أن يمين الكافر منعقدة لغير الكفارة وأن من شرط الإسلام نظر إلى حكمها فهو غير ظاهر فافهم‏.‏ ويشترط خلوها عن الاستثناء بنحو إن شاء الله أو إلا أن يبدو لي غير هذا أو إلا أن أرى أو أحب كما في ط عن الهندية قال في البحر‏:‏ ومن زاد الحرية كالشمني فقد سها لأن العبد ينعقد يمينه ويكفر بالصوم كما صرحوا به‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويشترط أيضا عدم الفاصل من سكوت ونحوه‏.‏ ففي البزازية‏:‏ أخذه الوالي وقال قل بالله فقال مثله ثم قال لتأتين يوم الجمعة فقال الرجل مثله فلم يأت لا يحنث لأنه بالحكاية والسكوت صار فاصلا بين اسم الله تعالى وحلفه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الصيرفية‏:‏ لو قال علي عهد الله وعهد الرسول لا أفعل كذا لا يصح لأن عهد الرسول صار فاصلا هـ‏.‏ أي لأنه ليس قسما بخلاف عهد الله ‏(‏قوله وإمكان البر‏)‏ أي عندهما خلافا لأبي يوسف كما في مسألة الكوز بحر ‏(‏قوله وحكمها البر أو الكفارة‏)‏ أي البر أصلا والكفارة خلفا كما في الدر المنتقى‏.‏ وأنت خبير بأن الكفارة خاصة باليمين بالله تعالى ح وأراد البر وجودا وعدما، فإنه يجب فيما إذا حلف على طاعة، ويحرم فيما إذا حلف على معصية، ويندب فيما إذا كان عدم المحلوف عليه جائزا وفيه زيادة تفصيل سيأتي‏.‏

مطلب في حكم الحلف بغيره تعالى

‏(‏قوله وهل يكره الحلف بغير الله تعالى إلخ‏)‏ قال الزيلعي‏:‏ واليمين بغير الله تعالى أيضا مشروع، وهو تعليق الجزاء بالشرط وهو ليس بيمين وضعا، وإنما سمي يمينا عند الفقهاء لحصول معنى اليمين بالله تعالى وهو الحمل أو المنع، واليمين بالله تعالى لا يكره، وتقليله أولى من تكثيره، واليمين بغيره مكروهة عند البعض للنهي الوارد فيها، وعند عامتهم لا تكره لأنها يحصل بها الوثيقة لا سيما في زماننا، وما روي من النهي محمول على الحلف بغير الله تعالى لا على وجه الوثيقة كقولهم وأبيك ولعمري ا هـ‏.‏ ونحوه في الفتح‏.‏ وحاصله أن اليمين بغيره تعالى تارة يحصل بها الوثيقة‏:‏ أي اتثاق الخصم بصدق الحالف كالتعليق بالطلاق والعتاق مما ليس فيه حرف القسم، وتارة لا يحصل مثل وأبيك ولعمري فإنه لا يلزمه بالحنث فيه شيء فلا تحصل به الوثيقة، بخلاف التعليق المذكور والحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كان حالفا فليحلف بالله تعالى» إلخ محمول عند الأكثرين على غير التعليق فإنه يكره اتفاقا لما فيه من مشاركة المقسم به لله تعالى في التعظيم‏.‏ وأما إقسامه تعالى بغيره كالضحى والنجم والليل فقالوا إنه مختص به تعالى، إذ له أن يعظم ما شاء وليس لنا ذلك بعد نهينا‏.‏ وأما التعليق فليس فيه تعظيم بل فيه الحمل أو المنع مع حصول الوثيقة فلا يكره اتفاقا كما هو ظاهر ما ذكرناه‏.‏ وإنما كانت الوثيقة فيه أكثر من الحلف بالله تعالى في زماننا لقلة المبالاة بالحنث ولزوم الكفارة‏.‏ أما التعليق فيمتنع الحالف فيه من الحنث خوفا من وقوع الطلاق والعتاق‏.‏ وفي المعراج‏:‏ فلو حلف به لا على وجه الوثيقة أو على الماضي يكره ‏(‏قوله ولعمرك‏)‏ أي بقاؤك وحياتك، بخلاف لعمر الله فإنه قسم كما سيأتي

‏(‏قوله لعدم تصور الغموس واللغو‏)‏ على حذف مضاف‏:‏ أي تصور حكمهما، وإلا نافى قوله فيقع بهما ح ‏(‏قوله في غيره تعالى‏)‏ أي في الحلف بغيره سبحانه وتعالى ‏(‏قوله فيقع بهما‏)‏ أي بالغموس واللغو ‏(‏قوله ولا يرد‏)‏ أي على قوله لعدم تصور إلخ لو قال هو يهودي، إن كان فعل كذا متعمدا الكذب أو على ظن الصدق فهو غموس أو لغو مع أنه ليس يمينا بالله تعالى‏.‏ ‏(‏قوله وإن لم يعقل وجه الكناية‏)‏ أقول‏:‏ يمكن تقرير وجه الكناية بأن يقال‏:‏ مقصود الحالف بهذه الصيغة الامتناع عن الشرط، وهو يستلزم النفرة عن اليهودية، وهي تستلزم النفرة عن الكفر بالله تعالى، وهي تستلزم تعظيم الله تعالى فكأنه قال والله العظيم لا أفعل كذا‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله تغمسه في الإثم ثم النار‏)‏ بيان لما في صيغة فعول من المبالغة ح ‏(‏قوله وهي كبيرة مطلقا‏)‏ أي اقتطع بها حق مسلم أو لا، وهذا رد على قول البحر ينبغي أن تكون كبيرة إذا اقتطع بها مال مسلم أو آذاه، وصغيرة إن لم يترتب عليها مفسدة، فقد نازعه في النهر بأنه مخالف لإطلاق حديث البخاري‏:‏ «الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس»، وقول شمس الأئمة إن إطلاق اليمين عليها مجاز لأنها عقد مشروع وهذه كبيرة محضة صريح فيه، ومعلوم أن إثم الكبائر متفاوت‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا قال المقدسي‏:‏ أي مفسدة أعظم من هتك حرمة اسم الله تعالى ‏(‏قوله على كاذب‏)‏ أي على كلام كاذب‏:‏ أي مكذوب‏.‏ وفي نسخة‏:‏ على كذب ‏(‏قوله عمدا‏)‏ حال من فاعل حلف‏:‏ أي عامدا، ومجيء الحال مصدرا كثير لكنه سماعي ‏(‏قوله ولو غير فعل أو ترك‏)‏ كان الأولى ذكره قبيل قوله والله إنه بكر فإنه مثال لهذا فيستغنى به عن المثال المذكور وعن تأخير قوله في ماض ‏(‏قوله الآن‏)‏ قيد به لما تعرفه قريبا ‏(‏قوله في ماض‏)‏ متعلق بمحذوف صفة لموصوف كاذب‏:‏ أي على كلام كاذب واقع مدلوله في ماض، ولا يصح تعلقه بقوله حلف إذ ليس المراد أن حلفه وقع في الماضي كما لا يخفى فافهم ‏(‏قوله وتقييدهم بالفعل والماضي إلخ‏)‏ رد على صدر الشريعة حيث جعل التقييد للاحتراز، وإن والله إنه حجر من الحلف على الفعل بتقدير كان أو يكون وجعل الحال من الماضي لأن الكلام يحصل أولا في النفس فيعبر عنه باللسان، فالإخبار المعلق بزمان الحال إذا حصل في النفس فعبر عنه باللسان انعقد اليمين وصار الحال ماضيا بالنسبة إلى زمان انعقاد اليمين، فإذا قال كتبت لا بد من الكتابة قبل ابتداء التكلم فيكون الحلف عليه حلفا على الماضي، وأشار إلى وجه الرد بلفظ الآن فإنه لا يمكن أن يقدر معه كان ليصير فعلا، ولا يمكن أن يكون من الماضي لمنافاته للفظ الآن، على أن الحال إنما يعبر عنه بصيغة المضارع المستعملة في الحال أو في الاستقبال ولا يعبر عنه بصيغة الماضي أصلا نعم قد يراد تقريب الماضي من الحال فيؤتى بصيغة الماضي مقرونة بقد نحو قد قام زيد إذا أردت أن قيامه قريب من زمن التكلم فإذا قال والله قمت لا يصح أن يراد به الحال أصلا، بخلاف أقوم فإنه يراد به الحال أو الاستقبال كما هو مقرر في محله، فحيث لم يصح أن يكون فعلا ولا ماضيا تعين أن يكون تقييدهم بالفعل وبالماضي في قولهم هو حلفه على فعل ماض إلخ اتفاقا أي لا للاحتراز عن غيره أو أكثريا أي لكونه هو الأكثر ‏(‏قوله ويأثم بها‏)‏ أي إثما عظيما كما في الحاوي القدسي‏.‏

مطلب في معنى الإثم

والإثم في اللغة‏:‏ الذنب، وقد تسمى الخمر إثما‏.‏ وفي الاصطلاح عند أهل السنة استحقاق العقوبة‏.‏ وعند المعتزلة لزوم العقوبة بناء على جواز العفو وعدمه كما أشار إليه الأكمل في تقريره بحر ‏(‏قوله فتلزمه التوبة‏)‏ إذ لا كفارة في الغموس يرتفع بها الإثم فتعينت التوبة للتخلص منه‏.‏

‏(‏قوله إلا في ثلاث إلخ‏)‏ استثناء منقطع لأن الكلام في اليمين بالله تعالى وهذا في غيره ولذا قال في الاختيار‏:‏ وروى ابن رستم عن محمد‏:‏ لا يكون اللغو إلا في اليمين بالله تعالى وذلك أن في حلفه بالله تعالى على أمر يظنه كما قال ليس كذلك لغا المحلوف عليه وبقي قوله والله فلا يلزمه شيء، وفي اليمين بغيره تعالى يلغو المحلوف عليه ويبقى قوله امرأته طالق وعبده حر وعليه حج فيلزمه ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله فيقع الطلاق‏)‏ أي والعتاق ويلزمه النذر كما علمت ‏(‏قوله يظنه‏)‏ أي يظن نفسه ‏(‏قوله فالفارق إلخ‏)‏ أقول‏:‏ هناك فارق آخر، وهو أن الغموس تكون في الأزمنة الثلاثة على ما سيأتي واللغو لا تكون في الاستقبال ح ‏(‏قوله وأما في المستقبل فالمنعقدة‏)‏ لا يخفى أن كلامه في الحلف كاذبا يظنه صادقا وهذا في المستقبل لا يكون إلا يمينا منعقدة، فلا يرد أن الغموس يكون في المستقبل أيضا لأن الغموس لا بد فيه من تعمد الكذب وليس الكلام فيه فافهم ‏(‏قوله وخصه الشافعي إلخ‏)‏ اعلم أن تفسير اللغو بما ذكره المصنف هو المذكور في المتون والهداية وشروحها‏.‏ ونقل الزيلعي أنه روي عن أبي حنيفة كقول الشافعي‏.‏ وفي الاختيار أنه حكاه محمد عن أبي حنيفة، وكذا نقل في البدائع الأول عن أصحابنا‏.‏ ثم قال‏:‏ وما ذكر محمد على أثر حكايته عن أبي حنيفة أن اللغو ما يجري بين الناس من قولهم لا والله وبلى والله فذلك محمول عندنا على الماضي أو الحال، وعندنا ذلك لغو‏.‏ فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي في يمين لا يقصدها الحالف في المستقبل‏.‏ فعندنا ليست بلغو وفيها الكفارة‏.‏ وعنده هي لغو ولا كفارة فيها ا هـ‏.‏ فقوله فذلك محمول عندنا إلى آخر كلامه خبر قوله وما ذكر محمد إلخ فهو مبني على تلك الرواية المحكية عن أبي حنيفة أراد به بيان الفرق بينهما وبين قول الشافعي، وذلك أن المستقبل يكون لغوا عنده لا عندنا‏.‏ وقد فهم صاحب البحر من كلام البدائع حيث عبر بقوله عندنا وقوله فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي إلخ أن مذهبنا في اليمين اللغو أنها التي لا يقصدها الحالف في الماضي أو الحال كما يقوله الشافعي إلا في المستقبل‏.‏ قلت‏:‏ هذا وإن كان يوهمه آخر كلام البدائع، لكن أوله صريح بخلافه حيث عزا ما في المتون إلى أصحابنا ثم نقل ما حكاه محمد عن أبي حنيفة‏.‏ فعلم أن قوله عندنا إلخ بناء على هذه الرواية كما قلنا وبين المذهب، وهذه الرواية منافاة، فإن حلفه على أمر يظنه كما قال لا يكون إلا عن قصد فينا في تفسير اللغو بالتي لا يقصدها، نعم ادعى في البحر أن المقصودة إذا كانت لغوا فالتي لا يقصدها كذلك بالأولى فيكون تفسيرنا اللغو أعم من تفسير الشافعي‏.‏ ولا يخفى أن هذا خروج عن الجادة وعن ظاهر كلامهم، ولا بد له من نقل صريح‏.‏ والذي دعاه إلى هذا التكلف نظره إلى ظاهر عبارة البدائع الأخيرة وقد سمعت تأويلها، وكأن الشارح نظر إلى كلام البحر من أن مذهبنا أعم من مذهب الشافعي فلذا قال وخصه الشافعي فافهم، نعم قد يقال‏:‏ إذا لم تكن هذه لغوا يلزم أن تكون قسما خارجا عن الأقسام الثلاثة، فالأحسن أن يقال إن اللغو عندنا قسمان‏:‏ الأول ما ذكر في المتون، والثاني ما في هذه الرواية فتكون هذه الرواية بيانا للقسم الذي سكت عنه أصحاب المتون، ويأتي قريبا عن الفتح التصريح بعدم المؤاخذة في اللغو على التفسيرين، فهذا مؤيد لهذا التوفيق، والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏قوله ولو لآت‏)‏ أي ولو لزمان آت أي مستقبل فإنه لغو عند الشافعي لا عندنا حتى على الرواية المحكية عن أبي حنيفة ‏(‏قوله فلذا قال إلخ‏)‏ أي للاختلاف في اللغو‏.‏ قال‏:‏ ويرجى عفوه، وهذا جواب عن الاعتراض على تعليق محمد العفو بالرجاء بأن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم‏}‏ مقطوع به فأجاب في الهداية بأنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسير اللغو‏.‏ واعترضه في الفتح بأن الأصح أن اللغو بالتفسيرين متفق على عدم المؤاخذة به في الآخرة وكذا في الدنيا بالكفارة قال‏:‏ فالأوجه ما قيل إنه لم يرد به التعليق، بل التبرك باسمه تعالى والتأدب ‏{‏كقوله عليه الصلاة والسلام لأهل المقابر وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» وأجاب في النهر بأنه اختلف في المؤاخذة المنفية هل هي المعاقبة في الآخرة أو الكفارة قال‏:‏ ولا شك أن تفسير اللغو على رأينا ليس أمرا مقطوعا به إذ الشافعي قائل بأنه من المنعقدة فلا جرم علقه بالرجاء وهذا معنى دقيق ولم أر من عرج عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ إنما لم يعرج أحد عليه لما علمت من الاتفاق على عدم المؤاخذة به في الآخرة، وكذا في الدنيا بالكفارة فافهم‏.‏ ‏(‏قوله وكاللغو إلخ‏)‏ حاصله أن حلفه على ماض صادقا يمين مع أنه لم يدخل في الأقسام الثلاثة فيكون قسما رابعا، وهو مبطل لحصرهم اليمين في الثلاثة‏.‏ وأجاب صدر الشريعة بأنهم أرادوا حصر اليمين التي اعتبرها الشرع ورتب عليها الأحكام‏.‏ ورده في البحر بأن عدم الإثم فيها حكم‏.‏ وقال في النهر‏:‏ فيه نظر‏.‏ قال ح‏:‏ والحق ما في البحر، ولا وجه للنظر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وأجاب في الفتح بأن الأقسام الثلاثة فيما يتصور فيه الحنث لا في مطلق اليمين ‏(‏قوله كوالله إني لقائم الآن‏)‏ تبع فيه النهر، وكأنه تنظير لا تمثيل أشار به إلى أن الماضي كالحال‏.‏ والأحسن قول الفتح كوالله لقد قام زيد أمس

‏(‏قوله على مستقبل‏)‏ لا حاجة إليه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ وقد يجاب بأن لفظ آت اسم فاعل، وحقيقته ما اتصف بالوصف في الحال فمثل قائم حقيقة فيمن اتصف بالإتيان في الحال ويحتمل الاستقبال، وكذا لفظ آت حقيقة فيمن اتصف بالإتيان في الحال، ويحتمل الاستقبال فزاد الشارح لفظ مستقبل لدفع إرادة الحال‏.‏ ولا يرد أن لفظ مستقبل حقيقة في الحال أيضا‏.‏ لأنا نقول‏:‏ معناه أنه متصف في الحال بكونه مستقبلا أي منتظرا وذلك لا يقتضي حصوله في الحال، لكن كان المناسب تأخير مستقبل عن آت ‏(‏قوله يمكنه‏)‏ أشار إلى ما في النهر حيث قال‏:‏ ويجب أن يراد بالفعل فعل الحالف ليخرج نحو والله لا أموت إلخ، لكن هذا أعم من الممكن وغيره، وتعبير الشارح أحسن لأنه يرد على عبارة النهر نحو والله لأشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه لا يحنث لعدم إمكان البر مع أنه من فعله، ومقتضى كلامه أن هذا المثال من الغموس، لكن ينبغي تقييده بما إذا علم وقت الحلف أنه لا ماء فيه‏.‏ وأما إذا لم يعلم فليس منها ولا من المنعقدة لعدم الإمكان، فإن جعلت من اللغو انتقض ما مر من أنها لا تكون على الاستقبال‏.‏ والذي يظهر لي أنها غير يمين أصلا سواء علم أو لا، لما مر من أن شرط اليمين إمكان البر فليتأمل ‏(‏قوله ولا يتصور حفظ إلا في مستقبل‏)‏ قلت‏:‏ كون الحفظ لا يتصور إلا في مستقبل معناه أنه لا يتصور في ماض أو في حال لأن الحفظ منع نفسه عن الحنث فيها بعد وجودها مترددة بين الهتك والحفظ وذلك لا يكون في غير المستقبل‏.‏ ولا يخفى أن هذا لا يستلزم أن كل مستقبل كذلك‏:‏ أي يتصور فيه الحفظ حتى يرد عليه الغموس المستقبلة التي لا يمكن حفظها نعم يرد لو قال ولا يتصور مستقبل إلا محفوظا‏.‏ والفرق بين العبارتين ظاهر فافهم ‏(‏قوله فقط‏)‏ قيد للهاء من فيه، فالمعنى أن فيه لا في غيره من قسيميه الكفارة لا للكفارة حتى يصير المعنى أن فيه الكفارة لا غيرها من الإثم، لكن الأولى أن يقول وفيه فقط الكفارة‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وهذا جواب للعيني دفع به اعتراض الزيلعي على الكنز بأن المنعقدة فيها إثم أيضا‏.‏ واعترضه في البحر بأن الإثم غير لازم لها لأن الحنث قد يكون واجبا أو مستحبا‏.‏ وأجاب في النهر بأنه تخلف لعارض فلا يرد ‏(‏قوله وإن لم توجد منه التوبة عنها‏)‏ أي عن اليمين، والمراد عن حنثه فيها وهو متعلق بالتوبة وقوله معها متعلق بتوجد وفي عدم لزوم التوبة مع الكفارة كلام قدمناه في جنايات الحج فراجعه ‏(‏قوله أو مخطئا‏)‏ من أراد شيئا فسبق لسانه إلى غيره كما أفاده القهستاني‏.‏ قال في النهر‏:‏ كما إذا أراد أن يقول اسقني الماء فقال والله لا أشرب الماء‏.‏

مطلب في الفرق بين السهو والنسيان

‏(‏قوله أو ذاهلا أو ساهيا أو ناسيا‏)‏ قال ابن أمير حاج في شرح التحرير‏:‏ وجزم كثير باتحاد السهو والنسيان، لأن اللغة لا تفرق بينهما وإن فرقوا بينهما بأن السهو زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة‏.‏ والنسيان زوالها عنهما معا فيحتاج حينئذ في حصولها إلى سبب جديد وقيل النسيان عدم ذكر ما كان مذكورا‏.‏ والسهو غفلة عما كان مذكورا وما لم يكن مذكورا، فالنسيان أخص منه‏.‏ مطلقا‏.‏ وقيل يسمى زوال إدراك سابق قصر زمان زواله نسيانا وغفلة لا سهوا، وزوال إدراك سابق طال زمان زواله سهوا ونسيانا، فالنسيان أعم منه مطلقا‏.‏ وقال الشيخ سراج الدين الهندي‏:‏ والحق أن النسيان من الوجدانيات التي لا تفتقر إلى تعريف بحسب المعنى، فإن كل عاقل يعلم النسيان كما يعلم الجوع والعطش ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ لكن ظهور الفرق بينه وبين السهو يتوقف على التعريف‏.‏ وفي المصباح‏:‏ فرقوا بين الساهي والناسي، بأن الناسي إذا ذكرته تذكر، والساهي بخلافه‏.‏ ا هـ‏.‏ وعليه فالسهو أبلغ من النسيان، وفيه ذهل بفتحتين ذهولا غفل‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ ذهل عن الأمر تناساه عمدا وشغل عنه وفي لغة من باب تعب ‏(‏قوله بأن حلف أن لا يحلف‏)‏ قال في النهر‏:‏ أراد بالناسي المخطئ‏.‏ وفي الكافي‏:‏ وعليه اقتصر في العناية‏.‏ والفتح هو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه، والملجئ إلى ذلك أن حقيقة النسيان في اليمين لا تتصور‏.‏ قال الزيلعي‏:‏ وقال العيني وتبعه الشمني‏:‏ بل تصور بأن حلف أن لا يحلف ثم نسي الحلف السابق فحلف‏.‏ ورده في البحر بأنه فعل المحلوف عليه ناسيا لا أن حلفه كان ناسيا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه نظر إذ فعل المحلوف عليه ناسيا لا ينافي كونه يمينا بدليل أنه يكفر مرتين‏:‏ مرة باعتبار أنه فعل المحلوف عليه وأخرى باعتبار حنثه في اليمين ا هـ‏.‏ كلام النهر‏.‏ أقول‏:‏ الحق ما في البحر، فإن فعل المحلوف عليه ناسيا وإن لم يناف كونه يمينا، لكن تعلق النسيان به من جهة كونه حنثا لا من جهة كونه يمينا إذ هو من هذه الجهة لم يتعلق النسيان كما لا يخفى على منصف‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله لحديث إلخ‏)‏ في شرح الوقاية للعلامة منلا علي القاري‏:‏ لفظ اليمين غير معروف إنما المعروف ما رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة وحسنه الترمذي وصححه الحاكم بلفظ النكاح والطلاق والرجعة وقد رواه ابن عدي فقال‏:‏ «الطلاق والنكاح والعتاق»‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتح‏:‏ اعلم أنه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل لأن المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا والهازل قاصد اليمين غير راض بحكمه فلا يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرته السبب مختارا، والناسي بالتفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلا ولم يدر ما صنع، وكذا المخطئ لم يقصد قط التلفظ به بل بشيء آخر، فلا يكون الوارد في الهازل واردا في الناسي الذي لم يقصد قط مباشرة السبب فلا يثبت في حقه نصا ولا قياسا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله في اليمين أو الحنث‏)‏ متعلق بقوله ولو مكرها أو ناسيا أي سواء كان الإكراه أو النسيان في نفس اليمين وقد مر، أو في الحنث بأن فعل ما حلف عليه مكرها أو ناسيا لأن الفعل شرط الحنث وهو سبب الكفارة والفعل الحقيقي لا ينعدم بالإكراه والنسيان ‏(‏قوله فيحنث بفعل المحلوف عليه‏)‏ فلو لم يفعله، كما لو حلف أن لا يشرب فصب الماء في حلقه مكرها فلا حنث عليه نهر ‏(‏قوله لو فعله وهو مغمى إلخ‏)‏ أما لو حلف وهو كذلك فلا يلزمه شيء لعدم شرط الصحة كما مر

‏(‏قوله والقسم بالله تعالى‏)‏ أي بهذا الاسم الكريم ‏(‏قوله ولو برفع الهاء‏)‏ مثله سكونها كما في مجمع الأنهر‏.‏ قال وهذا إذا ذكر بالباء، وأما بالواو فلا يكون يمينا إلا بالجر‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ أما الرفع مع الواو فلأنه يصير مبتدأ وكذا النصب لأنه يصير مفعولا لنحو أعبد فلا يكون يمينا، وأما السكون فغير ظاهر لأنه إذا كان مجرورا وسكن لا يخرج عن كونه يمينا، على أن الرفع يحتمل تقدير خبره قسمي كما سيأتي في حذف حرف القسم‏.‏ والحاصل أن تخصيص ما ذكر بالباء مشكل، ولعل المراد أن غير المجرور مع الواو لا يكون صريحا في القسم فيحتاج إلى النية، وهذا كله إن كان ما ذكره منقولا ولم أره، نعم ذكروا ذلك في حذف حرف القسم‏.‏ ففي الخانية لو قال الله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها لا يكون يمينا لانعدام حرف القسم إلا أن يعربها بالكسر، لأن الكسر يقتضي سبق الخافض وهو حرف القسم‏.‏ وقيل يكون يمينا بدون الكسر‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في البحر عن الظهيرية‏.‏ وفي الجوهرة‏:‏ وإن نصبه اختلفوا فيه والصحيح يكون يمينا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومثله تسكين الهاء على ما حققه في الفتح من عدم اعتبار الإعراب كما سنذكره عند الكلام على حروف القسم ‏(‏قوله أو حذفها‏)‏ قال في المجتبى‏:‏ ولو قال والله بغير هاء كعادة الشطار فيمين‏.‏ قلت‏:‏ فعلى هذا ما يستعمله الأتراك بالله بغير هاء يمين أيضا ا هـ‏.‏ وهكذا نقله عنه في البحر، ولعل أحد الموضعين بغير هاء وبالواو لا بالهمز أي بغير الألف التي هي الحرف الهاوي تأمل، ثم رأيته كذلك في الوهبانية‏.‏ وقال ابن الشحنة في شرحها‏:‏ المراد بالهاوي الألف بين الهاء واللام، فإذا حذفها الحالف أو الذابح أو الداخل في الصلاة قيل لا يضر لأنه سمع حذفها في لغة العرب، وقيل يضر ‏(‏قوله وكذا واسم الله‏)‏ في البحر عن الفتح‏:‏ قال باسم الله لأفعلن المختار ليس يمينا لعدم التعارف وعلى هذا بالواو، إلا أن نصارى ديارنا تعارفوه فيقولون واسم الله ا هـ‏.‏ أي فيكون يمينا لمن تعارفه مثلهم لا لهم، لما مر من أن شرطه الإسلام ‏(‏قوله ورجحه في البحر‏)‏ حيث قال‏:‏ والظاهر أن باسم الله يمين كما جزم به في البدائع معللا بأن الاسم والمسمى واحد عند أهل السنة والجماعة فكان الحلف بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله ا هـ‏.‏ والعرف لا اعتبار به في الأسماء‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضاه أن ‏"‏ واسم الله ‏"‏ كذلك فلا يختص به النصارى ‏(‏قوله بكسر اللام إلخ‏)‏ أي بدون مد‏.‏ والظاهر أن مثله بالأولى المد على صورة الإمالة، وكذا فتح اللام بدون مد لأن ذلك كله يتكلم به كثير من البلاد فهو لغتهم، لكن إذا تكلم به من كان ذلك لغته فالظاهر أنه لا يشترط فيه قصد اليمين تأمل ‏(‏قوله ولو مشتركا إلخ‏)‏ وقيل كل اسم لا يسمى به غيره تعالى كالله والرحمن فهو يمين؛ وما يسمى به غيره كالحليم والعليم، فإن أراد اليمين كان يمينا وإلا لا ورجحه بعضهم بأنه حيث كان مستعملا لغيره تعالى أيضا لم تتعين إرادة أحدهما إلا بالنية‏.‏ ورده الزيلعي بأن دلالة القسم معينة لإرادة اليمين إذ القسم بغيره تعالى لا يجوز، نعم إذا نوى غيره صدق لأنه نوى محتمل كلامه‏.‏ وأنت خبير بأن هذا مناف لما قدمه من أن العامة يجوزون الحلف بغير الله تعالى نهر‏.‏ أقول‏:‏ هذا غفلة عن تحرير محل النزاع، فإن الذي جوزه العامة ما كان تعليق الجزاء بالشرط لا ما كان فيه حرف القسم كما قدمناه‏.‏ والحاصل كما في البحر أن الحلف بالله تعالى لا يتوقف على النية ولا على العرف على الظاهر من مذهب أصحابنا وهو الصحيح‏.‏ قال‏:‏ وبه اندفع ما في الولوالجية، من أنه‏:‏ لو قال والرحمن لا أفعل إن أراد به السورة لا يكون يمينا لأنه يصير كأنه قال والقرآن، وإن أراد به الله تعالى يكون يمينا‏.‏ ا هـ‏.‏ لأن هذا التفصيل في الرحمن قول بشر المريسي ‏(‏قوله والطالب الغالب‏)‏ فهو يمين وهو متعارف أهل بغداد كذا في الذخيرة والولوالجية‏.‏ وذكر في الفتح أنه يلزم إما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل الغالب في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والله غالب على أمره‏}‏ وإما كونه بناء على القول المفصل في الأسماء ا هـ‏.‏ أي من أنه تعتبر النية والعرف في الاسم المشترك كما مر‏.‏ وأجاب في البحر بأن المراد أنه بعد ما حكم بكونه يمينا أخبر بأن أهل بغداد تعارفوا الحلف بها‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ينافيه قوله في مختارات النوازل فهو يمين لتعارف أهل بغداد، حيث جعل التعارف علة كونه يمينا فلا محيص عما قاله في الفتح‏.‏ وأيضا عدم ثبوت كون الطالب من أسمائه تعالى لا بد له من قرينة تعين كون المراد به اسم الله تعالى وهي العرف مع اقترانه بالغالب المسموع إطلاقه عليه تعالى، وهو وإن كان مسموعا لكنه لم يجعل مقسما به أصالة بل جعل صفة له فلا يكون قسما بدونه كما في الأول الذي ليس قبله شيء فإنه لا يقسم بالأول بدون هذه الصفة، ومثله الآخر الذي ليس بعده شيء فافهم‏.‏ وما وقع في البحر من عطف الغالب بالواو فهو خلاف الموجود في الولوالجية والذخيرة وغيرهما ‏(‏قوله كما سيجيء‏)‏ أي بعد ورقة، وسيجيء تفصيله وبيانه ‏(‏قوله وفي المجتبى إلخ‏)‏ المراد به الأسماء المشتركة كما في البحر، وقدمناه آنفا عن الزيلعي معللا بأنه نوى محتمل كلامه وظاهره أن يصدق قضاء‏.‏ وعبارة المجتبى‏:‏ واليمين بغير الله تعالى إذا قصد بها غير الله تعالى لم يكن حالفا بالله، لكن في البحر عن البدائع فلا يكون يمينا لأنه نوى محتمل كلامه فيصدق في أمر بينه وبين ربه تعالى ا هـ‏.‏ ولا يصدق قضاء لأنه خلاف الظاهر كما مر‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

اعترض بعض الفضلاء التعبير بالقضاء والديانة بما في البحر عند قوله ولو زاد ثوبا إلخ من أن الفرق بين الديانة والقضاء إنما يظهر في الطلاق والعتاق لا في الحلف بالله تعالى لأن الكفارة حقه تعالى ليس للعبد فيها مدخل حتى يرفع الحالف إلى القاضي‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ قد يظهر فيما إذا علق طلاقا أو عتقا على حلفه ثم حلف بذلك فافهم ‏(‏قوله أو بصفة إلخ‏)‏ المراد بها اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة، بخلاف نحو العظيم، وتتقيد بكون الحلف بها متعارفا سواء كانت صفة ذات أو فعل، وهو قول مشايخ ما وراء النهر‏.‏ ولمشايخ العراق تفصيل آخر، وهو أن الحلف بصفات الذات يمين لا بصفات الفعل‏.‏ وظاهره أنه لا اعتبار عندهم للعرف وعدمه فتح ملخصا، ومثله في الشرنبلالية عن البرهان بزيادة التصريح بأن الأول هو الأصح‏.‏ وقال الزيلعي‏:‏ والصحيح الأول لأن صفات الله تعالى كلها صفات الذات وكلها قديمة والأيمان مبنية على العرف، ما يتعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا ا هـ‏.‏ ومعنى قوله كلها صفات الذات أن الذات الكريمة موصوفة بها فيزاد بها الذات، سواء كانت مما يسمى صفة ذات أو صفة فعل فيكون الحلف بها حلفا بالذات، وليس مراده نفي صفة الفعل تأمل‏.‏ ثم رأيت المصنف استشكله وأجاب بأن مراده أن صفات الفعل ترجع في الحقيقة إلى القدرة عند الأشاعرة والقدرة صفة ذات ا هـ‏.‏ وما قلناه أولى تأمل ‏(‏قوله صفة ذات‏)‏ مع قوله بعده أو صفة فعل بدل مفصل من مجمل، وقوله لا يوصف بضدها إلخ بيان للفرق بينهما كما في الزيلعي وغيره ‏(‏قوله كعزة الله‏)‏ قال القهستاني‏:‏ أي غلبته من حد نصر، أو عدم النظير من حد ضرب، أو عدم الحط من منزلته من حد علم، وقوله وجلاله‏:‏ أي كونه كامل الصفات وقوله وكبريائه‏:‏ أي كونه كامل الذات ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وملكوته وجبروته‏)‏ بوزن فعلوت وزيادة الهمزة في جبروت خطأ فاحش‏.‏ وفي شرح الشفاء للشهاب‏:‏ الملكوت صفة مبالغة من الملك كالرحموت من الرحمة، وقد يخص بما يقابل عالم الشهادة ويسمى عالم الأمر، كما أن مقابله يسمى عالم الشهادة وعالم الملك ا هـ‏.‏ وفي شرح المواهب‏:‏ قال الراغب‏:‏ أصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر‏.‏ وقد يقال في الإصلاح المجرد كقول علي‏:‏ يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير، وتارة في القهر المجرد ا هـ‏.‏ أفاده ط ‏(‏قوله وعظمته‏)‏ أي كونه كامل الذات أصالة وكامل الصفات تبعا، وقوله وقدرته‏:‏ أي كونه يصح منه كل من الفعل والترك قهستاني ‏(‏قوله كالغضب والرضا‏)‏ أي الانتقام والإنعام، وهذا تمثيل لصفة الفعل في حد ذاتها، فلا ينافي ما يأتي أن الرضا والغضب لا يحلف بهما ط ‏(‏قوله فإن الأيمان مبنية على العرف‏)‏ علة للتقييد بقوله عرفا ط وهذا خاص بالصفات، بخلاف الأسماء فإنه لا يعتبر العرف فيها كما مر‏.‏

‏(‏قوله لا يقسم بغير الله تعالى‏)‏ عطف على قوله والقسم بالله تعالى‏:‏ أي لا ينعقد القسم بغيره تعالى أي غير أسمائه وصفاته ولو بطريق الكناية كما مر، بل يحرم كما في القهستاني، بل يخاف منه الكفر في نحو وحياتي وحياتك كما يأتي‏.‏

مطلب في القرآن

‏(‏قوله قال الكمال إلخ‏)‏ مبني على أن القرآن بمعنى كلام الله، فيكون من صفاته تعالى كما يفيده كلام الهداية حيث قال‏:‏ ومن حلف بغير الله تعالى لم يكن حالفا كالنبي والكعبة، لقوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر ‏"‏ وكذا إذا حلف بالقرآن لأنه غير متعارف ا هـ‏.‏ فقوله وكذا يفيد أنه ليس من قسم الحلف بغير الله تعالى بل هو من قسم الصفات ولذا علله بأنه غير متعارف، ولو كان من القسم الأول كما هو المتبادر من كلام المصنف والقدوري لكانت العلة فيه النهي المذكور أو غيره لأن التعارف إنما يعتبر في الصفات المشتركة لا في غيرها‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ وتعليل عدم كونه يمينا بأنه غيره تعالى لأنه مخلوق لأنه حروف وغير المخلوق هو الكلام النفسي منع بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق‏.‏ ولا يخفى أن المنزل في الحقيقة ليس إلا الحروف المنقضية المنعدمة، وما ثبت قدمه استحال عدمه، غير أنهم أوجبوا ذلك لأن العوام إذا قيل لهم إن القرآن مخلوق تعدوا إلى الكلام مطلقا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله ولا يخفى إلخ رد للمنع‏.‏ وحاصله أن غير المخلوق هو القرآن بمعنى كلام الله الصفة النفسية القائمة به تعالى لا بمعنى الحروف المنزلة غير أنه لا يقال القرآن مخلوق لئلا يتوهم إرادة المعنى الأول‏.‏ قلت‏:‏ فحيث لم يجز أن يطلق عليه أنه مخلوق ينبغي أن لا يجوز أن يطلق عليه أنه غيره تعالى بمعنى أنه ليس صفة له لأن الصفات ليست عينا ولا غيرا كما قرر في محله، ولذا قالوا‏:‏ من قال بخلق القرآن فهو كافر‏.‏ ونقل في الهندية عن المضمرات‏:‏ وقد قيل هذا في زمانهم، أما في زماننا فيمين وبه نأخذ ونأمر ونعتقد‏.‏ وقال محمد بن مقاتل الرازي‏:‏ إنه يمين، وبه أخذ جمهور مشايخنا ا هـ‏.‏ فهذا مؤيد لكونه صفة تعورف الحلف بها كعزة الله وجلاله ‏(‏قوله فيدور مع العرف‏)‏ لأن الكلام صفة مشتركة‏.‏ ‏(‏قوله وقال العيني إلخ‏)‏ عبارته‏:‏ وعندي لو حلف بالمصحف أو وضع يده عليه وقال‏:‏ وحق هذا فهو يمين ولا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الأيمان الفاجرة ورغبة العوام في الحلف بالمصحف ا هـ‏.‏ وأقره في النهر‏.‏ وفيه نظر ظاهر إذ المصحف ليس صفة لله تعالى حتى يعتبر فيه العرف وإلا لكان الحلف بالنبي والكعبة يمينا لأنه متعارف، وكذا بحياة رأسك ونحوه ولم يقل به أحد‏.‏ على أن قول الحالف وحق الله ليس بيمين كما يأتي تحقيقه، وحق المصحف مثله بالأولى، وكذا وحق كلام الله لأن حقه تعظيمه والعمل به وذلك صفة العبد، نعم لو قال أقسم بما في هذا المصحف من كلام الله تعالى ينبغي أن يكون يمينا ‏(‏قوله ولو تبرأ من أحدها‏)‏ أي أحد المذكورات من النبي والقرآن والقبلة‏.‏ ‏(‏قوله إلا من المصحف‏)‏ أي فلا يكون التبري منه يمينا لأن المراد به الورق والجلد، وقوله إلا أن يتبرأ مما فيه لأن ما فيه هو القرآن، وما ذكره في النهر عن المجتبى من أنه لو تبرأ من المصحف انعقد يمينا فهو سبق قلم، فإن عبارة المجتبى هكذا‏:‏ ولو قال أنا بريء من القرآن أو مما في المصحف فيمين، ولو قال من المصحف فليس بيمين ا هـ‏.‏ ومثله في الذخيرة ‏(‏قوله بل لو تبرأ من دفتر‏)‏ صوابه مما في دفتر كما علمته في المصحف‏.‏ قال في الخانية‏:‏ ولو رفع كتاب الفقه أو دفتر الحساب فيه مكتوب ‏{‏بسم الله الرحمن الرحيم‏}‏ وقال أنا بريء مما فيه إن فعل كذا ففعل كان عليه الكفارة، كما لو قال أنا بريء من ‏{‏بسم الله الرحمن الرحيم‏}‏‏.‏ ‏(‏قوله ولو تبرأ من كل آية فيه‏)‏ أي في المصحف كما في المجتبى والذخيرة والخانية ‏(‏قوله ولو كرر البراءة إلخ‏)‏ قال في الذخيرة‏:‏ ولو قال فهو بريء من الكتب الأربعة فهو يمين واحدة، وكذا هو بريء من القرآن والزبور والتوراة والإنجيل، ولو قال فهو بريء من القرآن وبريء من التوراة وبريء من الإنجيل وبريء من الزبور فهي أربعة أيمان‏.‏ وفي البحر عن الظهيرية‏:‏ والأصل في جنس هذه المسائل أنه متى تعددت صيغة البراءة تتعدد الكفارة، وإذا اتحدت اتحدت ‏(‏قوله يمينان‏)‏ أي لتكرر البراءة مرتين؛ أما لو قال بريء من الله ورسوله فقيل يمينان وصحح في الذخيرة والمجتبى الأول‏.‏ وعبارة البحر هنا موهمة خلاف المراد‏.‏ ‏(‏قوله فأربع‏)‏ لأن لفظ البراءة في الثانية مذكور مرتين بسبب التثنية بحر ‏(‏قوله يمين واحدة‏)‏ لأن قوله ألف مرة للمبالغة فلم يتكرر فيها اللفظ حقيقة تأمل ‏(‏قوله أو صوم رمضان إلخ‏)‏ زاد في الذخيرة‏:‏ ولو قال أنا بريء من هذه الثلاثين يعني شهر رمضان إن فعلت كذا، فإن نوى البراءة من فرضيتها فيمين أو من أجرها فلا، وكذا لو لم تكن له نية للشك؛ ولو قال فأنا بريء من حجتي التي حججت أو من صلاتي التي صليت لا يكون يمينا، بخلاف قوله من القرآن الذي تعلمت فإنه يمين‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البحر عن المحيط‏:‏ لأنه في الأول تبرأ عن فعله لا عن الحجة المشروعة، وفي الثاني القرآن قرآن، وإن تعلمه فالتبري عنه كفر ‏(‏قوله أو من المؤمنين‏)‏ لأن البراءة منهم تكون لإنكار الأيمان خانية ‏(‏قوله أو أعبد الصليب‏)‏ كأن قال إن فعلت كذا فأنا أعبد الصليب ‏(‏قوله لأنه كفر إلخ‏)‏ تعليل لقوله ولو تبرأ من أحدها مع ما عطف عليه ‏(‏قوله وتعليق الكفر إلخ‏)‏ ولو قال هو يستحل الميتة أو الخمر أو الخنزير إن فعل كذا لا يكون يمينا‏.‏ والحاصل أن كل شيء هو حرام حرمة مؤبدة بحيث لا تسقط حرمته بحال كالكفر وأشباهه، فاستحلاله معلق بالشرط يكون يمينا، وما تسقط حرمته بحال كالميتة والخمر وأشباه ذلك فلا ذخيرة ‏(‏قوله وسيجيء‏)‏ أي قريبا في المتن ‏(‏قوله وإلا يكفر‏)‏ بالتشديد‏:‏ أي تلزمه الكفارة‏.‏مطلب تتعدد الكفارة لتعدد اليمين

‏(‏قوله وتتعدد الكفارة لتعدد اليمين‏)‏ وفي البغية‏:‏ كفارات الأيمان إذا كثرت تداخلت، ويخرج بالكفارة الواحدة عن عهدة الجميع‏.‏ وقال شهاب الأئمة‏:‏ هذا قول محمد‏.‏ قال صاحب الأصل‏:‏ هو المختار عندي‏.‏ ا هـ‏.‏ مقدسي، ومثله في القهستاني عن المنية ‏(‏قوله وبحجة أو عمرة يقبل‏)‏ لعل وجهه أن قوله إن فعلت كذا فعلي حجة ثم حلف ثانيا كذلك يحتمل أن يكون الثاني إخبارا عن الأول، بخلاف قوله والله لا أفعله مرتين فإن الثاني لا يحتمل الإخبار فلا تصح به نية الأول، ثم رأيته كذلك في الذخيرة‏.‏ وفي ط عن الهندية عن المبسوط‏:‏ وإن كان إحدى اليمينين بحجة والأخرى بالله تعالى فعليه كفارة وحجة ‏(‏قوله وفيه معزيا للأصل إلخ‏)‏ أي وفي البحر‏:‏ والظاهر أن في العبارة سقطا، فإن الذي في البحر عن الأصل‏:‏ لو قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا يمين واحدة، ولو قال هو يهودي إن فعل كذا هو نصراني إن فعل كذا فهما يمينان ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ راجع للمسألتين‏:‏ أي إذا ذكر الواو بين الاسمين فالأصح أنهما يمينان سواء كان الثاني لا يصلح نعتا للأول أو يصلح، وهو ظاهر الرواية‏.‏ وفي رواية يمين واحدة كما في الذخيرة‏.‏ قلت‏:‏ لكن يستثنى ما في الفتح حيث قال‏:‏ ولو قال على عهد الله وأمانته وميثاقه ولا نية له فهو يمين عندنا ومالك وأحمد‏.‏ وحكي عن مالك يجب عليه بكل لفظ كفارة لأن كل لفظ يمين بنفسه، وهو قياس مذهبنا إذا كررت الواو كما في والله والرحمن والرحيم إلا في رواية الحسن‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله واتفقوا إلخ‏)‏ يعني أن الخلاف المذكور إذا دخلت الواو على الاسم الثاني وكانت واحدة، فلو تكررت الواو مثل والله والرحمن فهما يمينان اتفاقا لأن إحداهما للعطف والأخرى للقسم كما في البحر‏.‏ وأما إذا لم تدخل على الاسم الثاني واو أصلا كقولك والله الله وكقولك والله الرحمن فهو يمين واحدة اتفاقا كما في الذخيرة، وهذا هو المراد بقوله وبلا عطف واحدة‏.‏ ‏(‏قوله قال الرازي‏)‏ هو علي حسام الدين الرازي‏.‏ له كتب‏:‏ منها خلاصة الدلائل في شرح القدوري‏.‏ سكن دمشق وتوفي بها سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ‏(‏قوله وإن اعتقد وجوب البر فيه يكفر‏)‏ ليس هذا من كلام الرازي المنقول في الفتح والبحر بل ما بعده، وهذا إنما ذكره في الفتح قبل نقل كلام الرازي، وكأن الشارح ذكره هنا ليبين به أنه المراد من قوله يكفر، وكان الأولى التصريح بأي التفسيرية‏.‏ ثم المراد باعتقاد وجوب البر فيه كما قال ح اعتقاد الوجوب الشرعي بحيث لو حنث أثم وهذا قلما يقع‏.‏ ‏(‏قوله ولا يعلمون‏)‏ أي لا يعلمون أن اليمين ما كان موجبها البر أو الكفارة الساترة لهتك حرمة الاسم وأن في الحلف باسم غيره تعالى تسوية بين الخالق والمخلوق في ذلك ‏(‏قوله لقلت إنه مشرك‏)‏ أي إن الحالف بذلك‏.‏ وفي بعض النسخ إنه شرك بدون ميم‏:‏ أي أن الحلف المذكور‏.‏ وفي القهستاني عن المنية أن الجاهل الذي يحلف بروح الأمير وحياته ورأسه لم يتحقق إسلامه بعد‏.‏ وفيه‏:‏ وما أقسم الله تعالى بغير ذاته وصفاته من الليل والضحى وغيرهما ليس للعبد أن يحلف بها ‏(‏قوله وعن ابن مسعود إلخ‏)‏ لعل وجهه أن حرمة الكذب في الحلف به تعالى قد تسقط بالكفارة، والحلف بغيره تعالى أعظم حرمة ولذا كان قريبا من الكفر ولا كفارة له ط

‏(‏قوله ولا بصفة إلخ‏)‏ مقابل قوله المار أو بصفة يحلف بها، وهذا مبني على قول مشايخ ما وراء النهر من اعتبار العرف في الصفات مطلقا بلا فرق بين صفات الذات وصفات الفعل وهو الأصح كما مر، فالعلة في إخراج هذه عدم العرف، فلا حاجة إلى ما في الجوهرة من أن القياس في العلم أن يكون يمينا لأنه صفة ذات، لكن استحسنوا عدمه لأنه قد يراد به المعلوم وهو غيره تعالى فلا يكون يمينا إلا إذا أراد الصفة لزوال الاحتمال‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ورضائه‏)‏ الأنسب ما في البحر ورضاه لأنه مقصور لا ممدود ‏(‏قوله وسخطه‏)‏ قال في المصباح‏:‏ سخط سخطا من باب تعب، والسخط بالضم اسم منه‏:‏ وهو الغضب ‏(‏قوله وشريعته ودينه وحدوده‏)‏ لا محل لذكرها هنا لأنها ليست من الصفات لأن المراد بها الأحكام المتعبد بها وهي غيره تعالى فلا يقسم بها وإن تعورف كما علم مما مر ويأتي، فالمناسب ذكرها عند قول المصنف المتقدم لا بغير الله تعالى كما فعل صاحب البحر ‏(‏قوله وصفته‏)‏ في البحر عن الخانية‏:‏ لو قال بصفة الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا لأن من صفاته تعالى ما يذكر في غيره فلا يكون ذكر الصفة كذكر الاسم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وسبحان الله إلخ‏)‏ قال في البحر‏:‏ ولو قال لا إله إلا الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا إلا أن ينوي، وكذا قوله ‏"‏ سبحان الله والله أكبر ‏"‏ لا أفعل كذا لعدم العادة ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ولو قال‏:‏ الله الوكيل لا أفعل كذا ينبغي أن يكون يمينا في زماننا لأنه مثل الله أكبر لكنه متعارف ‏(‏قوله لعدم العرف‏)‏ قال في البحر‏:‏ والعرف معتبر في الحلف بالصفات‏.‏

‏(‏قوله وبقوله لعمر الله‏)‏ بخلاف لعمرك ولعمر فلان فإنه لا يجوز كما في القهستاني وقد مر، وهو بفتح العين والضم وإن كان بمعنى البقاء إلا أنه لا يستعمل في القسم لأنه موضع التخفيف لكثرة استعماله، وهو مع اللام مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وجوبا لسد جواب القسم مسده، ومع حذفها منصوب نصب المصادر وحرف القسم محذوف، تقول‏:‏ عمر الله فعلت‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وأما قولهم عمرك الله ما فعلت فمعناه بإقرارك له بالبقاء، وينبغي أن لا ينعقد يمينا لأنه بفعل المخاطب وهو إقراره واعتقاده‏.‏ ا هـ‏.‏ نهر ملخصا ‏(‏قوله وايم الله‏)‏ قال في المصباح‏:‏ وأيمن استعمل في القسم والتزم رفعه، وهمزته عند البصريين وصل واشتقاقه عندهم من اليمن‏:‏ وهو البركة، وعند الكوفيين قطع لأنه جمع يمين عندهم وقد يختصر منه فيقال وايم الله بحذف الهمزة والنون ثم اختصر ثانيا فقيل م الله بضم الميم وكسرها ا هـ‏.‏ قال القهستاني وعلى المذهبين مبتدأ خبره محذوف وهو يميني؛ ومعنى يمين الله ما حلف الله به نحو الشمس والضحى أو اليمين الذي يكون بأسمائه تعالى كما ذكره الوصي ‏(‏قوله أي يمين الله‏)‏ هذا مبني على قول البصريين إنه مفرد، واشتقاقه من اليمن وهو البركة، ويكون ذلك تفسيرا لحاصل المعنى، وإلا فكان المناسب أن يقول أي بركة الله أو يقول أي أيمن الله بصيغة الجمع على قول الكوفيين تأمل ‏(‏قوله وعهد الله‏)‏ ‏{‏وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان‏}‏ فقد جعل أهل التفسير المراد بالأيمان العهود السابقة فوجب الحكم باعتبار الشرع إياها أيمانا وإن لم تكن حلفا بصفة الله، كما حكم بأن ‏"‏ أشهد ‏"‏ يمين كذلك‏.‏ وأيضا غلب الاستعمال فلا يصرف عن اليمين إلا بنية عدمه، وتمامه في الفتح‏.‏ وفي الجوهرة‏:‏ إذا قال وعهد الله ولم يقل على عهد الله، فقال أبو يوسف هو يمين، وعندهما لا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن جزم في الخانية بأنه يمين بلا حكاية خلاف‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

أفاد ما مر أنه لو قال على عهد الرسول لا يكون يمينا، بل قدمنا عن الصيرفية‏:‏ لو قال على عهد الله وعهد الرسول لا أفعل كذا لا يصح، لأن عهد الرسول صار فاصلا ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ووجه الله‏)‏ لأن الوجه المضاف إلى الله تعالى يراد به الذات بحر أي على القول بالتأويل، وإلا فيراد به صفة له تعالى هو أعلم بها ‏(‏قوله إن نوى به قدرته‏)‏ وإلا لا يكون يمينا كما في البحر، وكأنه احتراز عما إذا نوى بالسلطان البرهان والحجة ‏(‏قوله وميثاقه‏)‏ هو عهد مؤكد بيمين وعهد كما في المفردات قهستاني ‏(‏قوله وذمته‏)‏ أي عهده ولذا سمي الذمي معاهدا فتح‏.‏

‏(‏قوله أو أعزم‏)‏ معناه أوجب فكان إخبارا عن الإيجاب في الحال وهذا معنى اليمين، وكذا لو قال عزمت لا أفعل كذا كان حالفا بحر عن البدائع ‏(‏قوله أو أشهد‏)‏ بفتح الهمزة والهاء، وضم الهمزة وكسر الهاء خطأ مجتبى‏:‏ أي خطأ في الدين لما يأتي من أنه يستغفر الله ولا كفارة لعدم العرف ‏(‏قوله بلفظ المضارع‏)‏ لأنه للحال حقيقة، ويستعمل للاستقبال بقرينة كالسين وسوف فجعل حالفا للحال بلا نية هو الصحيح، وتمامه في البحر ‏(‏قوله بالأولى‏)‏ لدلالته على التحقق لعدم احتمال الاستقبال ‏(‏قوله وآليت‏)‏ بمد الهمزة من الألية‏:‏ وهي اليمين كما في البحر ‏(‏قوله إذا علقه بشرط‏)‏ يعني بمقسم عليه‏.‏ قال في النهر‏:‏ واعلم أنه وقع في النهاية وتبعه في الدراية أن مجرد قول القائل أقسم وأحلف يوجب الكفارة من غير ذكر محلوف عليه ولا حنث تمسكا بما في الذخيرة أن قوله علي يمين موجب للكفارة وأقسم ملحق به، وهذا وهم بين إذ اليمين بذكر المقسم عليه‏.‏ وما في الذخيرة معناه إذا وجد ذكر المقسم عليه ونقضت اليمين وتركه للعلم به يفصح عن ذلك قول محمد في الأصل‏:‏ واليمين بالله تعالى أو أحلف أو أقسم إلى أن قال‏:‏ وإذا حلف بشيء منها ليفعلن كذا فحنث وجبت عليه الكفارة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وأصل الرد لصاحب غاية البيان، وتبعه في الفتح والبحر أيضا وهو وجيه، لكن هذا في غير علي نذر أو علي يمين كما يأتي قريبا ‏(‏قوله فإن نوى‏)‏ مقابله محذوف تقديره وإنما يكون يمينا إذا لم ينو به قربة، فإن نوى إلخ‏.‏ قال في كافي الحاكم‏:‏ وإذا حلف بالنذر، فإن نوى شيئا من حج أو عمرة أو غيره فعليه ما نوى، وإن لم تكن له نية فعليه كفارة يمين ‏(‏قوله وسيتضح‏)‏ أي قبيل الباب الآتي ‏(‏قوله وإن لم يضف إلى الله تعالى‏)‏ وكذا إن أضيف بالأولى كأن قال علي نذر الله أو يمين الله أو عهد الله ‏(‏قوله إذا علقه بشرط‏)‏ أي بمحلوف عليه حتى يكون يمينا منعقدة مثل علي نذر الله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا، فإذا لم يف بما حلف لزمته كفارة اليمين، لكن في لفظ النذر إذا لم يسم شيئا بأن قال علي نذر الله فإنه وإن لم يكن يمينا تلزمه الكفارة فيكون هذا التزام الكفارة ابتداء بهذه العبارة كما في الفتح‏.‏ وذكر في الفتح أيضا أن الحق أن علي يمين مثله إذا قاله على وجه الإنشاء لا الإخبار ولم يزد عليه فيوجب الكفارة لأنه من صيغ النذر، ولو لم يكن كذلك لغا، بخلاف أحلف وأشهد ونحوهما فإنها ليست من صيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أن علي نذر يراد به نذر الكفارة، وكذا علي يمين هو نذر للكفارة ابتداء بمعنى علي كفارة يمين لا حلف إلا بعد تعليقه بمحلوف عليه فيوجب الكفارة عند الحنث لا قبله‏:‏ ورده في البحر بما في المجتبى‏:‏ لو قال علي يمين يريد به الإيجاب لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشيء‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ الذي في المجتبى بعد ما رمز بلفظ ط للمحيط، ولو قال علي يمين أو يمين الله فيمين‏.‏ ثم قال‏:‏ أي صاحب الرمز المذكور علي يمين يريد به الإيجاب لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشيء، وكذا إذا قال لله علي يمين هكذا‏.‏ روي عن أبي يوسف‏.‏ وعن أبي حنيفة علي يمين لا كفارة لها يريد به الإيجاب فعليه يمين لها كفارة ا هـ‏.‏ ما في المجتبي‏.‏ وظاهر كلامه أن في المسألة اختلاف الرواية، وإذا كان علي يمين من صيغ النذر ترجحت الرواية المروية عن أبي حنيفة فالرد على الفتح بالرواية المروية عن أبي يوسف غير صحيح‏.‏ ثم رأيت في الحاوي ما نصه‏:‏ لو قال علي نذر أو علي يمين ولم يعلقه فعليه كفارة يمين ا هـ‏.‏ فهذا صريح ما في الفتح فافهم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قدمنا أن اليمين تطلق على التعليق أيضا، فلو علق طلاقا أو عتقا فهو يمين عند الفقهاء فصار لفظ اليمين مشتركا، ولعلهم إنما صرفوه هنا إلى اليمين بالله تعالى لأنه هو الأصلي في المشروعية ولأنه هو المعنى اللغوي أيضا فينصرف عند الإطلاق إليه، وينبغي أنه لو نوى به الطلاق أن تصح نيته لأنه نوى محتمل كلامه فيصير الطلاق معلقا على ما حلف وتقع به عند الحنث طلقة رجعية لا بائنة لأنه ليس من كنايات الطلاق، خلافا لمن زعم أنه منها، ولمن زعم أنه لا يلزمه إلا كفارة يمين كما حققناه في باب الكنايات، لكن بقي لو قال أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا فأفتى العلامة الطوري بأنه إن حنث وكانت له زوجة تطلق وإلا لزمته كفارة واحدة‏.‏ ورده السيد محمد أبو السعود وأفتى بأنه لا يلزمه شيء لأنه ليس من ألفاظ اليمين لا صريحا ولا كناية، وأقره المحشي ولا يخفى ما فيه، فإن أيمان جمع يمين واليمين عند الإطلاق ينصرف إلى الحلف بالله تعالى‏.‏ وعند النية يصح إرادة الطلاق به كما علمت وفي الخانية‏:‏ رجل حلف رجلا على طلاق وعتاق وهدي وصدقة ومشي إلى بيت الله تعالى وقال الحالف لرجل آخر عليك هذه الأيمان فقال نعم يلزمه المشي والصدقة لا الطلاق والعتاق، لأنه فيهما بمنزلة من قال لله علي أن أعتق عبدي أو أطلق امرأتي فلا يجبر على الطلاق والعتاق ولكن ينبغي له أن يعتق، وإن قال الحالف لرجل آخر هذه الأيمان لازمة لك فقال نعم يلزمه الطلاق والعتاق أيضا ا هـ‏.‏ أي لأن قوله نعم بمنزلة قوله هذه الأيمان لازمة لي فصار بمنزلة إنشائه الحلف بها فتلزمه كلها حتى الطلاق والعتاق، ومقتضى هذا أن يلزمه كل ذلك في قوله أيمان المسلمين تلزمني خصوصا الهدي والمشي إلى بيت الله لأنها خاصة بالمسلمين، وكذا الطلاق والعتق والصدقة، فالقول بعد لزوم شيء أو بلزوم الطلاق فقط غير ظاهر إلا أن يفرق بأن هذه الأيمان مذكورة صريحا في فرع الخانية، بخلافها في فرعنا المذكور لكنه بعيد، فإن لفظ أيمان جمع يمين ومع الإضافة إلى المسلمين زادت في الشمول‏.‏ فينبغي لزوم أنواع الأيمان التي يحلف بها المسلمون لا خصوص الطلاق ولا خصوص اليمين بالله تعالى، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم‏.‏

‏(‏قوله فيكفر بحنثه‏)‏ أي تلزمه الكفارة إذا حنث إلحاقا له بتحريم الحلال، لأنه لما جعل الشرط علما على الكفر وقد اعتقده واجب الامتناع وأمكن القول بوجوبه لغيره جعلناه يمينا نهر ‏(‏قوله أما الماضي‏)‏ كإن كنت فعلت كذا فهو كافر أو يهودي ومثلها الحال ‏(‏قوله عالما بخلافه‏)‏ أما إذا كان ظانا صحته فلغو ح ‏(‏قوله فغموس‏)‏ لا كفارة فيها إلا التوبة فتح ‏(‏قوله واختلف في كفره‏)‏ أي إذا كان كاذبا ‏(‏قوله والأصح إلخ‏)‏ وقيل لا يكفر؛ وقيل يكفر لأنه تنجيز معنى لأنه لما علقه بأمر كائن فكأنه قال ابتداء هو كافر‏.‏ واعلم أنه ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ «من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال» والظاهر أنه أخرج مخرج الغالب، فإن الغالب ممن يحلف بمثل هذه الأيمان أن يكون جاهلا لا يعرف إلا لزوم الكفر على تقدير الحنث، فإن تم هذا وإلا فالحديث شاهد لمن أطلق القول بكفره فتح ‏(‏قوله في اعتقاده‏)‏ تفسير لقوله عنده ح‏.‏ قال في المصباح‏:‏ وتكون عند بمعنى الحكم، يقال‏:‏ هذا عندي أفضل من هذا‏:‏ أي في حكمي ‏(‏قوله وعنده أنه يكفر‏)‏ عطف تفسير على قوله جاهلا‏.‏ وعبارة الفتح‏:‏ وإن كان في اعتقاده أنه يكفر به يكفر لأنه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل الذي علق عليه كفره وهو يعتقد أنه يكفر إذا فعله ا هـ‏.‏ وعبارة الدرر‏:‏ وكفر إن كان جاهلا اعتقد أنه كفر إلخ، وبه ظهر أن عطف وعنده بالواو هو الصواب، وما يوجد في بعض النسخ من عطفه بأو خطأ لأنه يفيد أن المراد بالجاهل هو الذي لا يعتمد شيئا، ولا وجه لتكفيره لما علمت من أنه إنما يكفر إذا اعتقده كفرا ليكون راضيا بالكفر، أما الذي لا يعتقد كذلك لم يرض بالكفر حتى يقال إنه يكفر فافهم ‏(‏قوله يكفر فيهما‏)‏ أي في الغموس والمنعقدة‏.‏ أما في الغموس ففي الحال، وأما في المنعقدة فعند مباشرة الشرط كما صرح به في البحر قبيل قوله وحروفه ح‏.‏ ولا يقال‏:‏ إن من نوى الكفر في المستقبل كفر في الحال‏.‏ وهذا بمنزلة تعليق الكفر بالشرط‏.‏ لأنا نقول‏:‏ إن من قال إن فعلت كذا فأنا كافر مراده الامتناع بالتعليق ومن عزمه أن لا يفعل فليس فيه رضا بالكفر عند التعليق بخلاف ما إذا باشر الفعل معتقدا أنه يكفر بمباشرته فإنه يكفر وقت مباشرته لرضاه بالكفر‏.‏ وأما الجواب بأن هذا تعليق بما له خطر الوجود فلا يكفر به في الحال، بخلاف قوله إذا جاء يوم كذا فهو كافر فإنه يكفر في الحال لأنه تعليق بمحقق الوجود، ففيه أنه لو علقه بما له خطر يكفر أيضا كقوله إن كان كذا غدا فأنا أكفر فإنه يكفر من ساعته كما في جامع الفصولين لأنه رضي في الحال بكفره المستقبل على تقدير حصول كذا فافهم‏.‏ وعلى هذا لو كان الحالف وقت الحلف ناويا على الفعل وقال إن فعلت كذا فهو كافر ينبغي أن يكفر في الحال لأنه يصير عازما في الحال على الفعل المستقبل الذي يعتقد كفره به ‏(‏قوله بخلاف الكافر‏)‏ أي إذا قال إن فعلت كذا فأنا مسلم‏.‏ قال ح‏:‏ في بعض النسخ‏:‏ بخلاف الكفر‏.‏ وعليها فضمير يصير عائد على الكافر الذي استلزمه الكفر والأولى أظهر ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لأنه ترك‏)‏ أي لأن الكفر ترك التصديق والإقرار فيصح تعليقه بالشرط، بخلاف الإسلام بأنه فعل والأفعال لا يصح تعليقها بالشرط‏.‏ قال ح‏:‏ وبهذا التقرير عرفت أن هذا تعليل لقوله يكفر فيهما لا لقوله فلا يصير مسلما بالتعليق‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن الظاهر أنه تعليل للمخالفة وبيان لوجه الفرق، وإلا لعطفه على التعليل الأول ‏(‏قوله كاذبا‏)‏ حال من الضمير في بقوله ‏(‏قوله الأكثر نعم‏)‏ لأنه نسب خلاف الواقع إلى علمه تعالى فيضمن نسبة الجهل إليه تعالى ‏(‏قوله وقال الشمني الأصح لا‏)‏ جعله في المجتبى وغيره رواية عن أبي يوسف‏.‏ ونقل في نور العين عن الفتاوى تصحيح الأول‏.‏ وعلى القول بعدم الكفر قال ح يكون حينئذ يمينا غموسا لأنه على ماض، وهذا إن تعورف الحلف به وإلا فلا يكون يمينا، وعلى كل فهو معصية تجب التوبة منه ا هـ‏.‏ لكن علمت أن التعارف إنما يعتبر في الصفات المشتركة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله وكذا لو وطئ المصحف إلخ‏)‏ عبارة المجتبى بعد التعليل المنقول هنا عن الشمني‏:‏ هكذا قلت فعلى هذا إذا وطئ المصحف قائلا إنه فعل كذا أو لم يفعل كذا وكان كاذبا لا يكفر لأنه يقصد به ترويج كذبه لا إهانة المصحف ا هـ‏.‏ لكن ذكر في القنية والحاوي‏:‏ ولو قال لها ضعي رجلك على الكراسة إن لم تكوني فعلت كذا فوضعت عليها رجلها لا يكفر الرجل لأن مراده التخويف وتكفر المرأة‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ فعلى هذا لو لم يكن مراده التخويف ينبغي أن يكفر، ولو وضع رجله على المصحف حالفا يتوب، وفي غير الحالف استخفافا يكفر‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضاه أن الوضع لا يستلزم الاستخفاف، ومثله في الأشباه حيث قال‏:‏ يكفر بوضع الرجل على المصحف مستخفا وإلا فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ ويظهر لي أن نفس الوضع بلا ضرورة يكون استخفافا واستهانة له، ولذا قال لو لم يكن مراده التخويف ينبغي أن يكفر‏:‏ أي لأنه إذا أراد التخويف يكون معظما له لأن مراده حملها على الإقرار بأنها فعلت، لعلمه بأن وضع الرجل أمر عظيم لا تفعله فتقر بما أنكرته، أما إذا لم يرد التخويف فإنه يكفر لأنه أمرها بما هو كفر لما فيه من الاستخفاف والاستهانة، ويدل على ذلك قول من قال يكفر من صلى بلا طهارة أو لغير القبلة لأنه استهانة فليتأمل ‏(‏قوله لعدم العرف‏)‏ قلت‏:‏ هو في زماننا متعارف، وكذا‏:‏ الله يشهد أني لا أفعل، ومثله شهد الله، علم الله أني لا أفعل فينبغي في جميع ذلك أن يكون يمينا للتعارف الآن ‏(‏قوله يكون يمينا‏)‏ قال في البحر‏:‏ وينبغي أن الحالف إذا قصد نفي المكان عن الله تعالى أنه لا يكون يمينا لأنه حينئذ ليس بكفر بل هو الإيمان‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله ولا يكفر‏)‏ لما كان مقتضى حلفه كونه الإله في السماء كان مظنة أن يتوهم كفره بنفس الحلف لأن فيه إثبات المكان له تعالى فقال ولا يكفر، ولعل وجهه أن إطلاق هذا اللفظ وارد في النصوص كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي في السماء إله‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء‏}‏ فلا يكفر بإطلاقه عليه تعالى وإن كانت حقيقة الظرفية غير مرادة، فبالنظر إلى كون هذا اللفظ واردا في القرآن كان نفيه كفرا ولذا انعقدت به اليمين كما في نظائره، وبالنظر إلى أن اعتقاد حقيقته اللغوية كفر كان مظنة كفره لاقتضاء حلفه كون الإله في السماء، هذا غاية ما ظهر لي في هذا المحل‏.‏ وفي أواخر جامع الفصولين‏:‏ قال‏:‏ الله تعالى في السماء عالم لو أراد به المكان كفر لا لو أراد به حكاية عما جاء في ظاهر الأخبار ولو لا نية له يكفر عند أكثرهم ا هـ‏.‏ فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله لأن منكرها مبتدع لا كافر‏)‏ أي واليمين إنما تنعقد إذا علقت بكفر ط ‏(‏قوله وكذا فصلاتي إلخ‏)‏ أي أنه ليس بيمين بحر عن المجتبى ط ‏(‏قوله وأما فصومي إلخ‏)‏ في حاوي الزاهدي‏:‏ وصلواتي وصياماتي لهذا الكافر فليس بيمين وعليه الاستغفار، وقيل هذا إذا نوى الثواب، وإن نوى القربة فيمين‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وبه علم أن ما هنا قول آخر، إذ لا يظهر فرق بين صلاتي وصومي بل التفصيل جاز فيهما على هذا القول أي إن أراد القربة والعبادة يكون يمينا لكونه تعليقا على كفر، وأما إن أراد الثواب فلا لأن الثواب على ذلك أمر غيبي غير محقق ولأن هبة الثواب للغير جائزة عندنا فلعله أراد تخفيف عذابه وإن لم يكن الكافر أهلا لثواب العبادة تأمل

‏(‏قوله وحقا‏)‏ في المجتبى‏:‏ وفي قوله وحقا أو حقا اختلاف المشايخ، والأكثر على أنه ليس بيمين ا هـ‏.‏ أي لا فرق بين ذكره بالواو وبدونها، فما في الملتقى وغيره من ذكره بدونها ليس بقيد فافهم ‏(‏قوله إلا إذا أراد به اسم الله تعالى‏)‏ مكرر مع ما يأتي متنا وكأنه أشار إلى أن المناسب ذكره هنا ح‏.‏ ‏(‏قوله وحق الله‏)‏ الحاصل أن الحق إما أن يذكر معرفا أو منكرا أو مضافا فالحق معرفا سواء كان بالواو أو بالباء يمين اتفاقا كما في الخانية والظهيرية، ومنكرا يمين على الأصح إن نوى، ومضافا إن كان بالباء فيمين اتفاقا لأن الناس يحلفون به، وإن كان بالواو فعندهما، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف لا يكون يمينا‏.‏ وعنه رواية أخرى أنه يمين لأن الحق من صفاته تعالى والحلف به متعارف‏.‏ وفي الاختيار أنه المختار اعتبارا بالعرف‏.‏ ا هـ‏.‏ وبهذا علم أن المختار أنه يمين في الألفاظ الثلاثة مطلقا، أفاده في البحر، وتقدم أن المنكر بدون واو أو باء ليس بيمين عند الأكثر‏.‏ هذا وقد اعترض في الفتح على ما في الاختيار بأن التعارف يعتبر بعد كون الصفة مشتركة في الاستعمال بين صفة الله تعالى وصفة غيره، ولفظ حق لا يتبادر منه ما هو صفة الله تعالى بل ما هو من حقوقه‏.‏ ثم قال‏:‏ ومن الأقوال الضعيفة ما قال البلخي إن قوله بحق الله يمين لأن الناس يحلفون به، وضعفه لما علمت أنه مثل وحق الله‏.‏ ‏(‏قوله وحرمته‏)‏ اسم بمعنى الاحترام، وحرمة الله ما لا يحل انتهاكه فهو في الحقيقة قسم بغيره تعالى حموي عن البرجندي ط ‏(‏قوله وبحرمة شهد الله‏)‏ بالدال المهملة في كثير من النسخ والكتب، وفي بعضها شهر الله بالراء، وكل من النسختين صحيح المعنى ح ‏(‏قوله وبحق الرسول‏)‏ فلا يكون يمينا لكن حقه عظيم ط عن الهندية ‏(‏قوله ورضاه‏)‏ مكرر مع ما مر في قوله ولا بصفة لم يتعارف الحلف بها إلخ وكونه ليس يمينا لا ينافي ما مر في قوله أو صفة فعل يوصف بها وبضدها إلخ، كما قدمناه هناك ‏(‏قوله لكن في الخانية إلخ‏)‏ حيث قال وأمانة الله يمين‏.‏ وذكر الطحاوي أنه لا يكون يمينا وهو رواية عن أبي يوسف‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البحر ذكر في الأصل أنه يكون يمينا خلافا للطحاوي لأنها طاعته‏.‏ ووجه ما في الأصل أن الأمانة المضافة إلى الله تعالى عند القسم يراد بها صفته‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتح فعندنا ومالك وأحمد هو يمين‏.‏ وعند الشافعي بالنية لأنها فسرت ط بالعبادات‏.‏ قلنا غلب إرادة اليمين إذا ذكرت بعد حرف القسم فوجب عدم توقفها على النية للعادة الغالبة ا هـ‏.‏ وبه علم أن المعتمد ما في الخانية‏.‏ ‏(‏قوله فليس بيمين‏)‏ أي اتفاقا لأنها ليست صفة، لكن على المعتمد ينبغي أن لا يصدق في القضاء ‏(‏قوله فعليه غضبه إلخ‏)‏ أي لا يكون يمينا أيضا لأنه دعاء على نفسه، ولا يستلزم وقوع المدعو بل ذلك متعلق باستجابة دعائه ولأنه غير متعارف فتح ‏(‏قوله أو هو زان إلخ‏)‏ لأن حرمة هذه الأشياء تحتمل النسخ والتبديل فلم تكن في معنى حرمة الاسم ولأنه ليس بمتعارف هداية‏:‏ أي أن حرمة هذه الأشياء تحتمل السقوط للضرورة أو نحوها ‏(‏قوله لعدم التعارف‏)‏ ظاهره أنه علة للجميع، وقد علمت أن العرف معتبر في الحلف بالصفات المشتركة تأمل ‏(‏قوله فلو تعورف إلخ‏)‏ أي في هو زان وما بعده كما يفيده كلام النهر والظاهر أن مثله فعليه غضبه إلخ ‏(‏قوله ظاهر كلامهم نعم‏)‏ فيه نظر لأنهم لم يقتصروا على التعليل بالتعارف، بل عللوا بما يقتضي عدم كونه يمينا مطلقا وهو كون عليه غضبه ونحوه دعاء على نفسه، وكون هو زان يحتمل النسخ ثم عللوا بعدم التعارف لأنه عند عدم التعارف لا يكون يمينا وإن كان مما يمكن الحلف به في غير الاسم فكيف إذا كان مما لا يمكن ‏(‏قوله وظاهر كلام الكمال لا‏)‏ حيث قال‏:‏ إن معنى اليمين أن يعلق الحالف ما يوجب امتناعه من الفعل بسبب لزوم وجوده‏:‏ أي وجود ما علقه كالكفر عند وجود الفعل المحلوف عليه كدخول الدار، وهنا لا يصير بمجرد الدخول زانيا أو سارقا حتى يوجب امتناعه عن الدخول، بخلاف الكفر فإنه بمباشرة الدخول يتحقق الرضا بالكفر فيوجب الكفر ا هـ‏.‏ ملخصا موضحا، والمراد أنه يوجب الكفر عند الجهل والكفارة عند العلم ولا يخفى أن هذا التعليل يصلح أيضا لنحو عليه غضبه لأنه لا تتحقق استجابة دعائه بمباشرة الشرط فلا يوجب امتناعه عن مباشرته فلم يكن فيه معنى اليمين وإن تعورف ‏(‏قوله وفي البحر إلخ‏)‏ هذا غير منقول بل فهمه في البحر من قول الولوالجية في تعليل قوله هو يستحل الدم أو لحم الخنزير إن فعل كذا لا يكون يمينا لأن استحلال ذلك لا يكون كفرا لا محالة فإنه حالة الضرورة يصير حلالا ا هـ‏.‏ واعترضه المحشي بأنه وهم باطل لأن قول الولوالجية لا محالة قيد للمنفي وهو يكون لا للنفي وهو لا يكون، فالمعنى أن كون استحلاله كفرا على الدوام منفي بل قد لا يكون كفرا، يوضحه ما في المحيط من أنه لا يكون يمينا للشك لأنه قد يكون استحلاله كفرا كما في غير حالة الضرورة فيكون يمينا، وقد لا يكون كفرا كما في حالة الضرورة فلا يكون يمينا، فقد حصل الشك في كونه يمينا أو لا بخلاف هو يهودي إن فعل كذا لأن اليهودي من ينكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك كفر دائما، فكل ما حرم مؤبدا فاستحلاله معلقا بالشرط يكون يمينا وما لا فلا ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

مطلب حروف القسم

‏(‏قوله ومن حروفه‏)‏ أفاد أن له حروفا أخر نحو من الله بكسر الميم وضمها صرح به القهستاني عن الرضي ح‏.‏ قلت‏:‏ وفي الدماميني عن التسهيل‏:‏ ومن مثلث الحرفين مع توافق الحركتين ا هـ‏.‏ فافهم، والمراد بالحروف الأدوات لأن من الله وكذا الميم اسم مختصر من أيمن كما مر، والضمير في حروفه راجع إلى القسم أو الحلف أو إلى اليمين بتأويل القسم وإلا فاليمنى مؤنثة سماعا ‏(‏قوله الواو والباء والتاء‏)‏ قدم الواو لأنها أكثر استعمالا في القسم ولذا لم تقع الباء في القرآن إلا في - بالله ‏{‏إن الشرك لظلم عظيم‏}‏ مع احتمال تعلقها ب ‏"‏ لا تشرك ‏"‏ وقدم غيره الباء لأنها الأصل لأنها صلة أحلف وأقسم ولذا دخلت في المظهر والمضمر نحو بك لأفعلن ‏(‏قوله ولام القسم‏)‏ وهي المختصة بالله في الأمور العظام قهستاني‏:‏ أي لا تدخل على غير اسم الجلالة وهي مكسورة، وحكي فتحها كما في حواشي شرح الآجرومية‏.‏ وفي الفتح‏:‏ ولا تستعمل اللام إلا في قسم متضمن معنى التعجب كقول ابن عباس‏:‏ دخل آدم الجنة، فلله ما غربت الشمس حتى خرج، وقولهم لله ما يؤخر الأجل فاستعمالها قسما مجردا عنه لا يصح في اللغة إلا أن يتعارف كذلك‏.‏ وقول الهداية في المختار كما في بعض النسخ احتراز عما عن أبي حنيفة أنه إذا قال لله علي أن لا أكلم زيدا أنها ليست بيمين إلا أن ينوي لأن الصيغة للنذر، ويحتمل معنى اليمين ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وحرف التنبيه‏)‏ المراد به هنا محذوف الألف أو ثابتها مع وصل ألف الله وقطعها كما في التسهيل لابن مالك ‏(‏قوله همزة الاستفهام‏)‏ هي همزة بعدها ألف ولفظ الجلالة بعدها مجرور، وتسميتها بهمزة الاستفهام مجاز كذا في الدماميني على التسهيل ح‏.‏ والظاهر أن الجر بهذه الأحرف لنيابتها عن أحرف القسم ط ‏(‏قوله وقطع ألف الوصل‏)‏ أي مع جر الاسم الشريف ح أي فالهمزة نابت عن حرف القسم وليس حرف القسم مضمرا لأن ما يضمر فيه حرف القسم تبقى همزته همزة وصل، نعم عند ابتداء الكلام تقطع الهمزة فيحتمل الوجهين‏.‏ أما عند عدم الابتداء كقولك يا زيد الله لأفعلن فإن قطعتها كان مما نحن فيه وإلا فهو من الإضمار فافهم ‏(‏قوله والميم المكسورة والمضمومة‏)‏ وكذا المفتوحة، فقد نقل الدماميني فيها التثليث‏.‏ وفي ط لعلهم اعتبروا صورتها فعدوها من حروف القسم وإلا فقد سبق أنها من جملة اللغات في أيمن الله كمن الله ‏(‏قوله لله‏)‏ بكسر لام القسم وجر الهاء كما قدمناه فافهم ‏(‏قوله وها الله‏)‏ مثال لحرف التنبيه والهاء مجرورة ح ‏(‏قوله م الله‏)‏ بتثليث الميم كما قدمناه والهاء مجرورة ‏(‏قوله وقد تضمر حروفه‏)‏ فيه أن الذي يضمر هو الباء فقط، لأنها حرف القسم الأصلي كما نقله القهستاني عن الكشف والرضي، وأراد بالإضمار عدم الذكر فيصدق بالحذف‏.‏ والفرق بينهما أن الإضمار يبقى أثره بخلاف الحذف‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وعليه ينبغي كون الحرف محذوفا في حالة النصب ومضمرا في حالة الجر لظهور أثره، وقوله في البحر قال تضمر ولم يقل تحذف للفرق بينهما إلخ يوهم أنه مع النصب لا يكون حالفا وليس كذلك، ولذا قال في النهر إنه بمعزل عن التحقيق لأنه كما يكون حالفا مع بقاء الأثر يكون أيضا حالفا مع النصب بل هو الكثير في الاستعمال وذاك شاذ ا هـ‏.‏ أي شاذ في غير اسم الله تعالى فافهم ‏(‏قوله بالحركات الثلاث‏)‏ أما الجر والنصب فعلى إضمار الحرف أو حذفه مع تقدير ناصب كما يأتي، وأما الرفع فقال في الفتح على إضمار مبتدإ، والأولى كونه على إضمار خبر، لأن الاسم الكريم أعرف المعارف فهو أولى بكونه مبتدأ والتقدير الله قسمي أو قسمي الله‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وغيره‏)‏ أي ويختص غير اسم الجلالة كالرحمن والرحيم بغير الجر أي بالنصب والرفع، أما الجر فلا لأنه لا يجوز حذف الجار وإبقاء عمله إلا في مواضع منها لفظ الجلالة في القسم دون عوض نحو الله لأفعلن ‏(‏قوله بنصبه بنزع الخافض‏)‏ هذا خلاف أهل العربية، بل هو عندهم بفعل القسم لما حذف الحرف اتصل الفعل به إلا أن يراد عند انتزاع الخافض‏:‏ أي بالفعل عنده، كذا في الفتح أي فالباء في بنزع للسببية لا صلة نصبه لأن النزع ليس من عوامل النصب، بل الناصب هو الفعل، ويتعدى بنفسه توسعا بسبب نزع الخافض كما في ‏{‏أعجلتم أمر ربكم‏}‏ أي عن أمره ‏{‏واقعدوا لهم كل مرصد‏}‏ أي عليه ‏(‏قوله وجره الكوفيون‏)‏ كذا حكي الخلاف في المبسوط‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ونظر فيه بأنهما أي النصب والجر وجهان سائغان للعرب ليس أحد ينكر أحدهما ليتأتى الخلاف ا هـ‏.‏ وسكت الشارح عن الرفع مع أنه ذكره أيضا في قوله بالحركات الثلاث‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

هذه الأوجه الثلاثة وكذا سكون الهاء ينعقد بها اليمين مع التصريح بباء القسم‏.‏ ففي الظهيرية‏:‏ بالله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها أو رفعها يكون يمينا؛ ولو قال الله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها لا يكون يمينا إلا أن يعربها بالجر فيكون يمينا، وقيل يكون يمينا مطلقا ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وقول المتون وقد تضمر يشير إلى القول الأول، لما علمت من أن الإضمار يبقى أثره فلا بد من الجر لكنه خلاف ما مشى عليه في الهداية وغيرها من تجويز النصب، وقدمنا عن الجوهرة أنه الصحيح، بل قال في البحر وينبغي أنه إذا نصب أنه يكون يمينا بلا خلاف لأن أهل اللغة لم يختلفوا في جواز كل من الوجهين، ولكن النصب أكثر كما ذكره عبد القاهر في مقتصده كذا في غاية البيان‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ بقي الكلام على عدم كونه يمينا مع سكون الهاء‏.‏ وقد رده في الفتح حيث قال‏:‏ ولا فرق في ثبوت اليمين بين أن يعرب المقسم به خطأ أو صوابا أو يسكنه خلافا لما في المحيط فيما إذا سكنه لأن معنى اليمين وهو ذكر اسم الله تعالى للمنع أو الحمل معقودا بما أريد منعه أو فعله ثابت فلا يتوقف على خصوصية في اللفظ‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله إن إضمار حرف التأكيد‏)‏ الإضافة في ‏"‏ حرف ‏"‏ للجنس لأن المراد اللام والنون فإن حذفهما في جواب القسم المستقبل المثبت لا يجوز، نعم حذف أحدهما جائز عند الكوفيين لا عند البصريين، وكذا يجوز إن كان الفعل حالا كقراءة ابن كثير - لأقسم بيوم القيامة - وقول الشاعر‏:‏

يمينا لأبغض كل امرئ *** يزخرف قولا ولا يفعل

مطلب فيما لو أسقط اللام والنون من جواب القسم

‏(‏قوله الحلف بالعربية‏)‏ مقدسي، يعني لا يكون يمينا على الإثبات، وقوله فلا كفارة عليهم فيها‏:‏ أي إذا تركوا ذلك الشيء‏.‏ ثم قال المقدسي‏:‏ لكن ينبغي أن تلزمهم لتعارفهم الحلف بذلك، ويؤيد ما نقلناه عن الظهيرية أنه لو سكن الهاء أو رفع أو نصب في بالله يكون يمينا مع أن العرب ما نطقت بغير الجر فليتأمل، وينبغي أن يكون يمينا وإن خلا من اللام والنون، ويدل عليه قوله في الولوالجية‏:‏ سبحان الله أفعل لا إله إلا الله أفعل كذا ليس بيمين إلا أن ينويه ا هـ‏.‏ واعترضه الخير الرملي بأن ما نقله لا يدل لمدعاه، أما الأول فلأنه تغيير إعرابي لا يمنع المعنى الموضوع فلا يضر التسكين والرفع والنصب، لما تقرر أن اللحن لا يمنع الانعقاد، وأما الثاني فلأنه ليس من المتنازع فيه، إذ المتنازع فيه الإثبات والنفي لا أنه يمين والنقل يجب اتباعه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر، أما أولا فلأن اللحن الخطأ كما في القاموس‏.‏ وفي المصباح‏:‏ اللحن الخطأ في العربية، وأما ثانيا فلأن قول الولوالجية سبحان الله أفعل عين المتنازع فيه لا غيره فإنه أتى بالفعل المضارع مجردا من اللام والنون وجعله يمينا مع النية، ولو كان على النفي لوجب أن يقال إنه مع النية يمين على عدم الفعل كما لا يخفى، وإنما اشترط النية لكونه غير متعارف كما مر‏.‏ وقال ج‏:‏ وبحث المقدسي وجيه‏.‏ وقول بعض الناس إنه يصادم المنقول يجاب عنه بأن المنقول في المذهب كان على عرف صدر الإسلام قبل أن تتغير اللغة، وأما الآن فلا يأتون باللام والنون في مثبت القسم أصلا ويفرقون بين الإثبات والنفي بوجود لا وعدمها، وما اصطلاحهم على هذا إلا كاصطلاح لغة الفرس ونحوها في الأيمان لمن تدبر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده ما ذكره العلامة قاسم وغيره من أنه يحمل كلام كل عاقد وحالف وواقف على عرفه وعادته سواء وافق كلام العرب أم لا، ويأتي نحوه عن الفتح في أول الفصل الآتي‏.‏ وقد فرق أهل العربية بين بلى ونعم في الجواب بأن بلى لإيجاب ما بعد النفي ونعم للتصديق، فإذا قيل أما قام زيد‏؟‏ فإن قلت بلى كان معناه قد قام، وإن قلت نعم كان معناه ما قام‏.‏ ونقل في شرح المنار عن التحقيق أن المعتبر في أحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما مقام الآخر ا هـ‏.‏ ومثله في التلويح‏.‏ وقول المحيط هنا والحلف بالعربية أن يقول في الإثبات والله لأفعلن إلخ بيان للحكم على قواعد العربية وعرف العرب وعادتهم الخالية عن اللحن، وكلام الناس اليوم خارج عن قواعد العربية سوى النادر، فهو لغة اصطلاحية لهم كباقي اللغات الأعجمية، فلا يعاملون بغير لغتهم وقصدهم إلا من التزم منهم الإعراب أو قصد المعنى اللغوي، فينبغي أن يدين‏.‏ وعلى هذا قال شيخ مشايخنا السائحاني‏:‏ إن أيماننا الآن لا تتوقف على تأكيد، فقد وضعناها وضعا جديدا واصطلحنا عليها وتعارفناها، فيجب معاملتنا على قدر عقولنا ونياتنا كما أوقع المتأخرون الطلاق بعلي الطلاق، ومن لم يدر بعرف أهل زمانه فهو جاهل‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ونظير هذا ما قالوه من أنه لو أسقط الفاء الرابطة لجواب الشرط فهو تنجيز لا تعليق، حتى لو قال إن دخلت الدار أنت طالق تطلق في الحال وهذا مبني على قواعد العربية أيضا، وهو خلاف المتعارف الآن فينبغي بناؤه على العرف كما قدمناه عن المقدسي في باب التعليق، وقدمنا هناك ما يناسب ذكره هنا فراجعه، والله سبحانه أعلم‏.‏